سورة الطور - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطور)


        


يقول الحق جلّ جلاله: {والطورِ} هو الجبل الذي كلّم الله عليه موسى بمَدين، {وكتابٍ مسطور} وهو القرآن العظيم، ونكّر لأنه كتاب مخصوص من بين سائر الكتب، أو: اللوح المحفوظ، أو: التوراة، كتبه الله لموسى، وهو يسمع صرير القلم، {في رَقٍّ منشور} الرَق: الجلد الذي يُكتب فيه، والمراد: الصحيفة، وتنكيره للتخفيم والإشعار بأنها ليست مما يتعارفه الناس، والمنشور: المفتوح لا ختم عليه، أو: الظاهر للناس، {والبيت المعمور} وهو بيت في السماء السابعة، حِيَال الكعبة، ويقال له: الضُراح، وعُمرانه بكثرة زواره من الملائكة، رُوي: أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، يطوفون به، ويخرجون، ومَن دخله لا يعود إليه أبداً، وخازنه ملَك يُقال له: رَزين. وقيل الكعبة، وعمارته بالحجاج والعُمَّار والمجاورين.
{والسقفِ المرفوع} أي: السماء، أو: العرش، {والبحر المسجُورٍ} أي: المملوء، وهو البحر المحيط، أو الموقد، من قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سًجِّرَت} [التكوير: 6] والمراد الجنس، رُوي «أن الله تعالى يجعل البحار يوم القيامة ناراً، تسجر بها نار جهنم، كما يسجر التنوير بالحطب» وعن ابن عباس: المسجور: المحبوس، أي: المُلْجَم بالقدرة. والواو الأولى للقسم، والتوالي للعطف، والمقسم عليه: {إِنَّ عذاب ربك لواقعٌ} لنازل حتماً، {ما له من دافع} أي: لا يمنعه مانع، والجملة: صفة لواقع، أي: وقع غير مدفوع. و {من} مزيدة للتأكيد، وتخصيص هذه الأمور بالإقسام بها؛ لأنها أمور عظام، تُنبئ عن عِظم قدرة الله تعالى، وكمال علمه، وحكمته الدالة على إحاطته تعالى بتفاصيل أعمال العباد، وضطبها، الشاهدة بصدق أخباره، التي من جملتها: الجملة المُقسَم عليها.
الإشارة: أقسم الله تعالى بجبل العقل، الذي أرسى به النفس أن تميل إلى ما فيه هلاكها، وبما كتب في قلوب أوليائه من اليقين، والعلوم، والأسرار، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الإِيمانُ} [المجادلة: 22] وذلك حين رقَّت وَصَفَت من الإغيار، ثم أقسم أيضاً بذلك القلب، وهو البيت المعمور؛ لأن القلب بيت الرب، «يا داوود طَهرّ بيتاً أَسْكُنه...» الحديث، وهو معمور بالمعارف والأنوار، وأقسم بسماء الأرواح المرفوعة عن خوض عالم الأشباح، وهو سقف بيت القلب، وبحر الأحدية الذي عمر كلَّ شيء، وأحاط بكل شيء، وأفنى كلَّ شيء، فالوجود كله بحر متصل، أوله وآخره، وظاهره وباطنه. إنَّ عذاب ربك لأهل العذاب، وهم أهل الحجاب، لواقع، وأعظم العذاب: غم الحجاب وسوء الحساب، ومن دعاء السري السقطي: اللهم مهما عذبتني فلا تعذبني بذل الحجاب. اه. ماله من دافع؛ لا يدفعه أحد من الخلق، إلا مَن رحم الله، أو: مَن أهّله الله لذلك من أهل التربية النبوية.


يقول الحق جلّ جلاله: واذكر {يومَ تَمورُ} أو: لواقع يوم تمور {السماءُ} أي: تدور كالرحى مضطربة {موراً} عظيماً تتكفأ بأهلها كالسفينة، {وتسير الجبالُ سيراً} أي: تزول عن وجه الأرض، فتصير في الهواء كالهباء. وتأكيد الفعل بمصدريهما للإيذان بغرابتهما وخروجهما عن الحدود المعهودة، أي: مَوراً عجيباً وسيراً بديعاً، لا يُدرك كنههما. {فويل يومئذٍ للمكذبين} إذا وقع ذلك، أو: إذا كان الأمر كما ذكر، فويل لهم إذا وقع ذلك، أو: إذا كان الأمر كما ذكر، فويل لهم إذا وقع ذلك، {الذين هم في خوضٍ} أي: في اندفاع عجيب في الأباطيل والأكاذيب {يلعبون}. يلهون، فالخوض غلب بإطلاقه في الاندفاع في الباطل والكذب، ومنه قوله: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَآئِضِينَ} [المدثر: 45]. {يوم يُدَعُّون إِلى نار جهنم دعّاً} أي: يُدفعون إليها دفعاً عنيفاً شديداً، بأن تُغلّ أيديهم إلى أعناقهم، وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم، فيُدفعون إلى النار على وجوههم، ويقال لهم: {هذه النارُ التي كنتم بها تُكّذِّبون} في الدنيا.
{أَفَسِحْرٌ هذا} توبيخ وتقريع لهم، حيث كانوا يُسمون الوحي الناطق بذلك العذاب سحراً، كأنه قيل: كنتم تقولون للقرآن الناطق بهذا سحراً، أفهذا أيضاً سحر؟ وتقديم الخبر لأنه محط الإنكار ومدار التوبيخ. {أم أنتم لا تُبصرون} أم أنتم عُميٌ عن المخبر عنه، كما كنتم عُمياً عن الخبر؟ وهذا تقريع وتهكُّم، {اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا} أي: ادخلوها وقاسوا شدائدها فافعلوا ما شئتم من الصبر وعدمه، {سواءٌ عليكم} الأمران: الصبر وعدمه، ف {سواء}: مبتدأ حُذف خبره. وعلل استواء الصبر وعدمه بقوله: {إِنما تُجْزون ما كنتم تعملون} من الكفر والمعاصي، فالصبر إنما يكون له مزية على الجزع لنفعه في العاقبة؛ بأن يُجازى عليه الصابر جزاءَ الخير، وأما الصبر على العذاب، الذي هو الجزاء، ولا عاقبة له ولا منفعة، فلا مزيّة له على الجزع. نعوذ بالله من موارد الهوان.
الإشارة: يوم تمور سماء الأرواح، أي: تتحرك الأرواح وتهيج بالواردات الإلهية، شوقاً إلى اللقاء، فإذا حصل اللقاء وقع لها السكون والطمأنينة، ولذلك قيل: «المحبة أولها جنون، ووسطها فنون، وآخرها سكون». وسبب هذا الاضطراب الذي يظهر على المريد في أول بدايته: أنَّ جند الأنوار إذا أراد أن يدخل على جند الأغيار، ويُخرجه من وطنه- الذي هو باطن العبد- وقع بينهما تجارب وتضارب، فجند الأنوار يريد أن يقلع جند الأغيار من باطن العبد، ويسكن هو، وجند الأغيار يريد المقام في وطنه، فلا يزال القتال بينهما، حتى يغلب واحد منهما، فإذا غلب جند الأنوار سكن في الباطن، وسكن الظاهر، ولم تقع فكرة العبد إلا في التوحيد، أو ما يقرب إلى الحق تعالى، وإذا غلب جند الأغيار، ولم يترك جند الأنوار يدخل إلى الباطل، سكن الظاهر أيضاً، ويبقى باطن البعد محشوّاً بالخواطر والوساوس الدنيوية كما كان، ورجع العبد إلى مقام العمومية.
وقوله تعالى: {وتسير الجبال سيراً} أي: تزول جبال وجود العبد عند إشراق أنوار الحقائق، {فويل يومئذ للمكذِّبين} أي: بُعْدٌ لأهل الإنكار عن حضرة الأسرار، حين ظفر الطالب بالمطلوب، ووصل المحب إلى المحبوب، الذين هم في خوض الدنيا وشهواتها وزخارفها يلعبون، لا حديث لهم إلا عليها، ولا فكرة إلا فيها. يوم يُدَعّون إلى النار القطيعة والبُعد، دعّاً، لا خلاص منها، ولا رجوع، فتناديهم عزةُ الحق تعالى: {هذه النار التي كنتم بها تُكذِّبون} وتقولون: لا يقطعنا عن الله شيء من الدنيا، وترمون أهلَ التربية بالسحر، أفسحر هذا أم أنتم لا تُبصرون حقائق هذه المعاني؟ اصْلَوا نار القطيعة، فاصبروا على غم الحجاب، {أو لا تصبروا} إذ لم تصبروا على مخالفة النفوس حين ينفعكم الصبر، سواء عليكم أجزعتم أم صبرتم، {إنما تُجْزَون ما كنتم تعملون} في الدنيا، من إيثار الهوى والحظوظ، على مجاهدة النفوس.


يقول الحق جلّ جلاله: {إِنَّ المتقين} الشرك والمعاصي {في جناتٍ} عظيمة {ونعيمٍ} أيّ نعيم، فالتنكير للتفخيم، أو: للتنوع، أي: جناتٍ مخصوصة بهم، ونعيمٍ مخصوص، {فاكهين} ناعمين متلذذين {بما آتاهم ربُّهم} بما أتحفهم، {ووقاهم رَبُّهم عذابَ الجحيم} عطف على {آتاهم} على أن ما مصدرية، أي: فاكهين بإتياهنم وبوقايتهم، أو: على في جنات النعيم أي: استقروا في جنات ووقاهم، أو: حال، إما من المستكن في الخبر، أو: من فاعل آتى، أو: مفعوله بإضمار قد. وإظهار الرب في موضع الإضمار مضافاً إلى ضمير {هم} لتشريفهم، ويُقال لهم: {كُلوا واشربوا} ما شئتم {هنيئاً} أي: أكلاً وشرباً هنيئاً، أو: طعاماً وشراباً هنيئاً، لا تنغيص فيه بخوف انقطاعه أو فواته، {بما كنتم} أي: عوض ما كنتم {تعملون} في الدنيا من الخير، أو جزاءه.
{متكئين على سُررٍ مصفوفةٍ} مصطفة، وهو حال من الضمير في {كلوا واشربوا}، {وزوَّجناهم} أي: قرنّاهم {بحُورٍ} جمع حوراء {عينٍ}: جمع عيناء، أي: عظام الأعين حِسانها. وفي الكشّاف: وإنما دخلت الباء في {بِحُورٍ} لتضمن معنى زوجناهم قرناهم. اهـ. وقال الهروي: {زوَّجناهم} أي: قرناهم، والأزواج: الأشكال والقرناء، وليس في الجنة تزويج. اهـ. والمنفي: تحمل مؤنة التزويج والمعاقدة، وإنما يقع التمليك والإقران.
{والذين آمنوا} مبتدأ، {واتَّبعتهم ذريتُهم} عطف على {آمنوا}، و{بإِيمان} متعلق بالاتباع، والخبر: {ألحقنا بهم ذرياتهم} أي: تلحق الأولاد بدرجات الآباء؛ إذ شاركوهم في الإيمان، وإن قصرت أعمال الذرية عن أعمال الآباء، وكذلك الآباء تلحق بدرجة الأبناء؛ لتقرّ بذلك أعينهم، فيلحق بعضهم ببعض، إذا اجتمعوا في الإيمان من غير أن ينقص أجر مَنْ هو أحسن عملاً شيئاً، بزيادته في درجة الأنقص، ولا فرق بين مَنْ بلغ مِن الذرية، أو لم يبلغ، إذا كان الآباء مؤمنين. انظر الثعلبي.
وفي حديث ابن عباس: «إذا دخل أهلُ الجنة الجنة، يسأل الرجلُ عن أبويه، وزوجته، وولده، فيُقال: إنهم لم يُدركوا ما أدركتَ، فيقول: لقد عملتُ لي ولهم أجمعين، فيؤمر بإلحاقهم به» قال القشيري: ليكمل عليهم سرورهم بذلك؛ فإنّ الانفراد بالنعمة والقلب مشتغل بالأهل والذرية ينغص العيش، وكذلك مَن يلاحظ قلباً من صديق وقريب ووليّ وخادم، قال تعالى في قصة يوسف: {وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93]. اهـ.
قال في الحاشية: وربما يستأنس بما ذُكر في الجملة بقوله: {وَمَن يُطِعِ اللَّهِ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم...} [النساء: 69] الآية، وما قيل في سبب نزولها، وكذلك حديث: «المرء مع مَن أحب»، وحال الجنة مما لا يخطر على بال، فيجوز أن يكون الأدنى مع الأعلى بمنازلته معه، مع مباينته له بحقيقته، كما أنّ حَيطة الحق تعالى شاملة للكل، وكل يتعرّف له على قدره، فالكل معه بمطلق التعرُّف، مع تحقُّق التفاوت، وأهل الجنة فيها على حكم الأرواح، وأحكامها لا تكيف، واعتبر بالفروع مع الأصول، مع تفاوتها.
والله أعلم. اهـ.
والحاصل: أنهم يلحقون بهم في الطبقة، ويتفاوتون في نعيم الأرواح والأشباح، وفي الرؤية والزيادة. والله تعالى أعلم.
{وما أَلتناهم} أي: ما نقصنا الآباء بهذا الإلحاق {مِن عملهم} من ثواب عملهم {من شيءٍ} بأن أعطينا بعض مثوباتهم لأبنائهم، فتنقص مثوبتهم، وتنحط درجتهم، وإنما رفعناهم إلى منزلتهم بمحض التفضُّل والإحسان. والألت: البخس. وقرأ المكي: {أَلِتناهم} بكسر اللام، من: ألِت يألَت، كعلم يعلم، و {مِن} الأولى متعلقة ب {ألتناهم}، والثانية زائدة لتأكيد النفي. {كُلُّ امرئ بما كسب رهينٌ} أي: كل امرئ مرهون عند الله بعمله، فإن كان صالحاً فله، وإلا أهلكه. والجملة: استئناف بياني، كأنه لمّا قال: ما نقصناهم من عملهم شيئاً نعطيه الأبناء حتى يلحقو بهم على سبيل التفضُّل، قيل: لِمَ كان الإلحاق تفضُّلاً؟ قال: لأن كل امرىءٍ بما كسب رهين، وهؤلاء لم يكن لهم عمل يلحقوا بسببه بهم، فأُلحقوا تفضُّلاً.
{وأمددناهم} أي: وزوّدناهم في وقت بعد وقت {بفاكهةٍ ولحم مما يشتهون} من فنون النعماء وألوان اللآلئ، وإن لم يطلبوا ذلك. {يتنازعون فيها كأساً} أي: يتعاطون ويتعاورون هم وجلساؤهم من أقربائهم كأساً فيها خمر، يتناول هذا الكأسَ من يد هذا، وهذا من يد هذا، بكمال رغبة واشتياق، {لا لغوٌ فيها} أي: في شربها، فلا يتكلمون في أثناء الشراب إلا بكلام طيب، فلا يجري بينهم باطل، {ولا تأثيمٌ} أي: لا يفعلون ما يُوجب إثماً لصاحبه لو فعله في دار التكليف، كما هو شأن المُنادمين في الدنيا، وإنما يتكلمون بالحِكَم واحاسِن الكلام، ويفعلون ما يفعله الكرام.
قال القشيري: {لا لغوٌ فيها ولا تأثيم} لا يجري بينهم باطل ولا ما فيه لوم، كما يجري من الشَّرْب اليوم في الدنيا، ولا تذهب عقولهم، فيجري بينهم ما يُخرج عن حدّ الأدب والاستقامة، وكيف لا يكون مجلسهم بهذه الصفة، على المعلوم مَن يسقيهم بمشهد من مجلوسهم، وعلى رؤية من شربهم، والقوم عن الدار وعن ما فيها مختطفون باستيلاء ما يستغرقهم، فالشراب يؤنسهم، ولكن لا يمر بحاستهم. اهـ.
وقرأ المكي والبصري بالفتح فيها على إعمال {لا} النافية للجنس.
الإشارة: إنَّ المتقين ما سوى الله في جنات المعارف عاجلاً، وجنات الزخارف والمعارف آجلاً، ونعيم المشاهدات والمكاشفات والمناجاة، فاكهين، معجبين، متلذذين بما آتاهم ربهم من أصناف ألطافه، وتقريبه، ووقاهم ربُّهم عذابَ الجحيم، أي: نار شهوة نفوسهم، فبردت عنهم، وسَلِموا منها، كُلوا من طعام المشاهدات، واشربوا من أمداد الزيادات والترقيات، هنيئاً بما كنتم تعملون من المجاهدات والمكابدات، متكئين على سُرر المقامات، والدرجات، مصفوفة في منازل العبودية، وزوجناهم بحُورٍ عين من أبكار الحقائق، وثيبات العلوم، والذين آمنوا بهذه الطريق وسلكوها، واتبعتهم ذريتهم ومَنْ تعلق بهم من طلاب الحق، ألحقنا بهم ذريتهم ومَنْ تعلق بهم، وإن لم يبلغوا صفاء مشربهم من الوصال والاتصال، فيكونون معهم في الدرجة، مع تفاوتهم في نعيم المشاهدة، وما ألتناهم من عملهم من شيء، بل ألحقناهم بهم فضلاً وكرماً، مع توفُّر ثواب عمل الملحق بهم، كل امرئ بما كسب رهين، لا يزيد نعيم روحه على سعيه في الدنيا ومجاهدته، وإن تساوى في الدرجة مع غيره.
وأمددناهم بفاكهةٍ من حلاوة المعاملة، ولحم مما يشتهون من لذائذ المشاهدة، يتنازعون فيها؛ في جنة المعارف، كأس خمر المحبةً والفناء، فيفنون عن وجودهم في شهود محبوبهم. يتناولون ذلك من أشياخهم واحداً بعد واحد، وقد يجتمعون في كأس واحدة، لا لغو فيها، أي: لا حديث للنفس في حال شربها، بل الهم كله مجموع يها، كما قال القائل:
وإذا جلستَ إلى المُدام وشُربِه *** فاجعلْ حديثكَ كلّه في الكأس
فالخمرة التي يشوبها شيء من حديث النفْس ليس بصافية من الأكدار. ولا تأثيم بنزوع الروح إلى طبع النفس، وإذا نزلت إلى سماء الحقوق، أو أرض الحظوظ، بل تكون في ذلك بالله، ومن الله، وإلى الله، تنزل بالإذن والتمكين، والرسوخ في اليقين، جلعنا الله من ذلك القبيل بمنّه وكرمه.
وقال الورتجبي: {يتنازعون...} الآية: وصفهم الله في شربهم كاسات شراب الوصلة بالمسارعة والشوق إلى مزيد القُربة، ثم وصف شرابَهم أنه يورثهم التمكين والاستقامة في السُكْر، لا يزول حالهم إلى الشطح والعربدة، وما يتكلم به سكارى المعرفة في الدنيا عند الخلق، ولا يشابِهُ حالُ أهل الحضرة حالَ أهل الدنيا من جميع المعاني. اهـ.

1 | 2 | 3